l

بالصوت والصورة

صحافة


مستجدات تاوناتية

مستجدات جهوية

إضرابات ومحطات نضالية

مستجدات وطنية

آخر الأخبار والمستجدات

أخبار الجماعات المحلية

أخبار الفئات

مقالات صحفية

بالصوت والصورة

معركة التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل: الأبعاد والدلالات والآفاق الممكنة

نشر من قبل Unknown



معركة التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل:
 الأبعاد والدلالات والآفاق الممكنة
       يشكل الهجوم الذي  تقوده الأجهزة البيروقراطية للاتحاد المغربي للشغل، منذ 5 مارس 2012 إلى اليوم، والذي  شمل طرد مسؤولين نقابيين وحل اتحادات نقابية جهوية ومحلية وتنصيب أجهزة فوقية ضد إرادة القواعد النقابية، و إغلاق المقرات النقابية في وجه جزء هام  من أعضاء المنظمة (قواعد ومسؤولين)، خطرا شديدا على الحركة النقابية العمالية  بما هو عائق أساسي يحول دون  حشد القوى العمالية وتعبئتها حول برامج عملية لمواجهة الهجوم البرجوازي متعدد الأوجه، سواء على المكاسب والحقوق المادية للعمال على صعيد الأجور، واستقرار أوضاع الشغل والخدمات الاجتماعية والتقاعد، أو على صعيد الاستمرار في خنق  و تقييد الحقوق و الحريات النقابية.
   ولفهم خلفيات هذا الهجوم وأبعاده، لا بد من إدراج هذه الأحداث في إطار التحولات العامة التي تشهدها نضالات الجماهير الشعبية،  وفي إطار الصراع الطبقي الذي  يعرفه المجتمع المغربي، أي أن الأمر يحتاج، كشرط أولي، إلى معالجة منهجية، تمكننا من فهم أبعاد هذه الأحداث ومدلولاتها، بعيدا عن القراءات المتسرعة المحكومة بنزعة تجريبية عاجزة عن  إدراك الطبيعة الحقيقية للصراع الحالي داخل الاتحاد المغربي للشغل، مع تثميننا، في هذا الجانب، لكل الإسهامات المتنوعة التي حاولت رسم معالم الطريق في خضم هذه التحولات الخطيرة التي يشهدها العمل النقابي ببلادنا، همها الأول والأخير هو البحث عن سبل تجسيد خط نقابي كفاحي وذو مضمون معاد للمصالح الرأسمالية في ظل موازين القوى المختلة لصالح النظام والقوى المعادية للمصالح العمالية.
    في البداية، نود أن نؤكد بأن الصراع الحالي بين التوجه البيروقراطي وبين أنصار العمل النقابي الديمقراطي الكفاحي لا تتحكم فيه مجرد إرادات خاصة وذاتية للعناصر البيروقراطية المتحكمة في الاتحاد، و ليس مجرد حدث ظرفي تتحكم فيه اعتبارات تكتيكية لهذا المكون أو ذاك داخل البيروقراطية السائدة، و ليس فقط صراع حول مواقع تنظيمية، بقدر ما يشكل هذا الصراع امتدادا للمعركة السياسية، بين الشعب المغربي والتحالف الطبقي السائد، داخل الحركة النقابية العمالية باعتبارها نقطة ارتكاز أساسية من شأنها تحديد مسار هذه المعركة، وبالتالي فإن هجوم البيروقراطية في نهاية المطاف، هو هجوم ضد مناهضي الرأسمالية بالأساس، حيث أن وجود ها بالذات وحفاظها على امتيازاتها رهينان بالحفاظ على النظام القائم: فقبول خط سياسي مناهض للرأسمالية، يعني للبيروقراطية، قبول حفر قبرها الخاص.
    وعلى هذا الأساس، فانه من أجل فهم أبعاد هذا الهجوم الأخير لابد من تبيان طبيعة السياق السياسي والاجتماعي  الوطني  الذي يندرج فيه، و ذلك من أجل تحديد آفاق النضال ضد هذه الهجمة البيروقراطية من منظور يساري يرمي إلى بناء جبهة نقابية يسارية كفيلة بتحسين موازين القوى لصالح التوجه النقابي الديمقراطي، وبالتالي قادرة على دفع الجماهير العمالية إلى مقاومة تعديات البرجوازية .

 حركة 20 فبراير:بين دعم اليسار النقابي وخيانة البيروقراطية

    إن نمو الحركة النضالية للجماهير الشعبية في العديد من المدن والقرى من خلال  المعارك الكبرى التي خاضتها حركة 20 فبراير وغيرها من الحركات الاحتجاجية المناضلة كان له تأثير مباشر على مجمل الدينامية النضالية لليسار النقابي الذي  انخرط  بقوة، رغم ضعفه الكمي و النوعي، في دعم نضالات حركة 20 فبراير المتمحورة أساسا  حول إسقاط الاستبداد والفساد، محاولا بذلك، في نهاية المطاف، ربط النضالات النقابية للعمال بأهداف سياسية واضحة من شأنها أن تفتح  صيرورة تحرر حقيقي للعمال وعموم الكادحين.
 وفي نظرنا فلقد كان تدخل اليساريين النقابيين سيكون أكثر جدوى وأكثر فعالية، لو جرى خوضه تحت راية نضال عمالي على أساس وجهة نظر عمالية واضحة ترمي بالأساس إلى تطوير العمل النقابي في اتجاه مراكمة القوى لبناء متطلبات التصدي الفعلي لمخططات البرجوازية ولتسييد قواعد الديمقراطية الداخلية، عوض رهن المجهود النقابي بضمان استمرار التمثيلية في الهياكل والأجهزة القيادية على حساب السكوت وغض الطرف عن نقد البيروقراطية ومجابهة سياساتها التدميرية، وهذا ما سبق للعديد من المناضلين الماركسيين ومن ضمنهم مناضلي ومناضلات "تيار المناضلة" أن حذروا منه، ودافعوا عليه في كل المحطات بالقول والفعل مما عرضهم لأبشع صنوف العسف البيروقراطي على مر تجربتهم النقابية بأخطائها وإنجازاتها، مما جعلهم مجرد مجوعة من الدعاة الصغار في نظر البعض أو عصبويون في نظر البعض الآخر، لا يفهمون قانون ميزان القوى الذي يتستر من ورائه بعض اليساريين لتبرير الصمت أو التواطؤ وأحيانا حتى لتبرير العجز عن خوض المعركة.
  وضمن هذا السياق، فقد سارع النظام الطبقي الرجعي في إطار تعاطيه مع نضالات ومطالب حركة 20 فبراير، إلى بذل أقصى ما في جهده للحيلولة دون انخراط الحركة النقابية العمالية في صيرورة النضال الديمقراطي الجذري وذلك بتقديمه لبعض التنازلات السياسية والاجتماعية ( تشغيل معطلين،  دعم صندوق المقاصة...) فضلا عن توقيع اتفاق 26 ابريل 2011 الذي تضمن "زيادات مهمة" في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، والذي هيأ له اجتماع مستشار الملك  "محمد المعتصم"  أسبوعا بعد مسيرة 20 فبراير.
        وقد توج التعاون الطبقي للقيادات النقابية مع النظام بامتناعها عن إدماج النضالات النقابية والمطالب العمالية في الدينامية النضالية التي أطلقتها حركة 20 فبراير، كما توج بتأييد بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل لدستوريوليوز2011. وبهذه الطريقة أبانت البيروقراطية النقابية عن ارتباطها القوي بالدفاع عن المصالح الإستراتجية للنظام تحت يافطة الدفاع عن " المصلحة العليا للوطن"، وبهذه الطريقة كذلك استبدلت البيروقراطية الأهداف السياسية العامة للحركة بمطالب جزئية وحالت دون تجذر النضالات النقابية واندماجها بالنضالات السياسية العامة، معبرة بذلك عن خيانتها ليس فقط للنضال التحرري للعمال بل حتى عن نضالهم من أجل تحسين شروط استغلالهم، وهذا ماسيدفعنا إلى التطرق لمسألة استقلالية النقابات بالنظر إلى أن بعض الرفاق لازالوا مصرين على التشبث باستقلالية إ.م.ش ولو كره الكارهون وهم  في هذه الحالة ماركسيون عماليون ثوريون ؟؟
   
عن أية استقلالية يتحدث الرفاق؟

     تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن نضال اليساريين داخل الحركة النقابية يجري في ظل تفاوت وتباين التقديرات السياسية لهذا الطرف أو ذاك، ولعل من ضمن الأمور المهمة التي تثير الكثير من الخلافات هي مسألة استقلالية الاتحاد المغربي للشغل، ومن أجل مناقشة رفاقنا المقتنعين بل المدافعين عن استقلالية الاتحاد، دون أن يتحملوا مسؤولية توضيح ما يقصدونه بهذه الاستقلالية، نجد أنفسنا مضطرين إلى المساهمة في استجلاء حقيقة هذه المسألة البالغة الأهمية بالنسبة للنضال النقابي الذي يخوضه اليسار.
     في البداية لا بد من التأكيد على أن المقصود بالحديث عن استقلالية النقابات إزاء الأحزاب السياسية بالنسبة للماركسيين، هو وجوب استقلال المنظمة النقابية تنظيميا عن الأحزاب وليس حيادها السياسي، كما أن الاستقلال عن الأحزاب لا يعني منع المناضلين النقابيين من الانخراط في الأحزاب السياسية حسب اختيارهم مع حق هؤلاء المبدئي في الدفاع داخل منظماتهم النقابية عن تصورات حزبهم سواء تعلقت بالمطالب أو بأشكال النضال.
     والحال أن الاستقلال الفعلي للنقابات يجب تناوله، كذلك، من زاوية مدى استقلاليتها عن الدولة البرجوازية وعن مصالحها، هذه الاستقلالية التي لا يمكن قياسها سوى في ضوء الخط السياسي الذي  تمارسه قيادة النقابة، فيما هو مستقل فعليا عن الدولة البرجوازية،وغني عن القول أن  دليل الاستقلالية هو النضال الفعلي ضد المصالح للبرجوازية على أرضية خط نقابي ديمقراطي كفاحي ومعاد للرأسمالية، مما يطرح مطلبي الاستقلال النقابي الكامل واللامشروط إزاء الدولة والاستقلال التنظيمي إزاء الأحزاب السياسية على قائمة المهام المطروحة على اليسار النقابي.
    وعليه، ترى هل الاتحاد المغربي للشغل، موضوع تحليلنا، مستقل عن مصالح الرأسمالية التابعة؟ وهل هو مستقل عن استراتيجية القوى والأحزاب البرجوازية الفاعلة فيه؟.
لعل من بين الحقائق الساطعة التي أبانت عنها الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية والنقابية، هي استمرار اندماج الاتحاد المغربي للشغل في إستراتيجية النظام والقوى الرجعية الرامية إلى تأبيد سيطرة الرأسمال الأجنبي والمحلي وخدمته على حساب  سيادة البلاد واستقلالها الاقتصادي ورفاهية طبقاتها الشعبية، ما يكشف بالملموس، مرة أخرى، مدى تهافت القول باستقلالية الاتحاد المغربي للشغل التي  يتستر بها بعض اليساريين المحسوبين على التوجه الماركسي، لتبرير دعوتهم لتشكيل الوحدة النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل.
     وفي حقيقة الأمر لم يكن الاتحاد المغربي للشغل يوما مستقلا عن المصالح الفعلية وأرباب العمل رغم مقاومة اليسار النقابي لإبطال هذه التبعية منذ عهد المقاومة التي أبداها التوجه الكفاحي الملتف حول الشهيد عمر بنجلون إلى اليوم، ناهيك عن استقلاليته الشكلية عن الأحزاب البرجوازية وذلك منذ أن مالت الكفة لصالح  التوجه البيروقراطي الانتهازي بقيادة الراحل المحجوب  بن الصديق  في مطلع ستينيات القرن الماضي في إطار الصراع مع أنصار ربط نضالات الحركة النقابية بأهداف التحرر الوطني والديمقراطي في إطار استراتيجة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي كان يناضل من أجلها، آنذاك، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
     وقد سبق للأدبيات الماركسية أن حسمت في هذه المسألة بشكل واضح، حيث تناول الشيوعيون الأمميون إبان  المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية مسألة حياد النقابات واستقلاليتها مؤكدين في هذا الشأن بأن التجربة التاريخية لنضال الحركة العمالية العالمية يبين انه في "الواقع  لم تكن النقابات يوما حيادية و لا يمكن أن تكون كذلك أبدا حتى  لو أرادت، إن حياد النقابات لا يمكن إلا أن يكون مضرا بالطبقة العاملة ولكنه مع ذلك غير قابل للتحقيق،  ففي الصراع بين العمل المأجور و الرأسمال لا يمكن أن تبقى أي منظمة عمالية حيادية، وتبعا لذلك لا يمكن أن تكون النقابات حيادية بين الأحزاب البرجوازية وأحزاب البروليتاريا، إن الأحزاب البرجوازية تعي ذلك تماما، ولكن كما أن البرجوازية بحاجة لأن تقنع الجماهير بالحياة الأبدية، فهي بحاجة أيضا للإقناع بأن النقابات يمكن أن تكون لا سياسية، ويمكن أن تحافظ على حياد ما إزاء الحزب الشيوعي العمالي، وكي تتمكن البرجوازية من السيطرة وباستغلال العمال للحصول على  فائض القيمة ، ليست بحاجة فقط لكاهن وشرطي وجنرال، بل يلزمها كذلك البيروقراطي النقابي "القائد العمالي" الذي ينصح بحياد النقابات وعدم مبالاتها في الصراع السياسي".
     ويستطرد المؤتمر مؤكدا بأن " الحيادية كانت دائما عقيدة برجوازية صرفة تخوض ضدها الماركسية الثورية نضالا حتى الموت". لكن للأسف، ففي حالتنا، لا يزال بعض المنتسبين إلى الماركسية يدافعون وبكل شراسة عن استقلالية إ.م.ش. متغافلين بأن هذه المنظمة النقابية صارت ومنذ زمن بعيد من أفضل المدافعين عن النظام الطبقي الرجعي السائد ببلادنا، وصارت أكثر عرضة في الوقت الحالي لتأثير بعض الأحزاب البورجوازية الذي أضحى تأثيرها يتنامى يوما بعد يوم، ونقصد حزبي"التقدم والاشتراكية" و"الأصالة والمعاصرة". وفي نظري فإن"نعم" على دستور الاستبداد الذي فرضته بيروقراطية الإتحاد على جزء من الطبقة العاملة يعود إلى تنامي التأثير السياسي لهذا المعسكر المعادي للمصالح العمالية.
    وأمام هذا التكتيك البورجوازي الذي يسعى إلى زرع الوهم حول استقلالية النقابات العمالية وحيادها، ينبغي على الشيوعيين"أن يواصلوا داخل المنظمات العمالية عملهم الخاص بثبات، مظهرين للعمال دون كلل أن الحياد السياسي إنما تزرعه البورجوازية وعملاؤها بينهم عن تبصر من أجل الانحراف بالبروليتاريا عن النضال من أجل الاشتراكية". (موضوعات حول العمل الشيوعي داخل النقابات،المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية).
     وفي ظل هكذا حجج نظرية وسياسية بخصوص الموقف الماركسي الثوري من مسألة حياد النقابات واستقلاليتها، ترى ما موقف رفاقنا المدافعين عن استقلالية إ.م.ش. والذين فضلوا التزام الحياد والصمت في غمرة الهجوم البيروقراطي الإستئصالي ضد المناضلين الديمقراطيين وضد العمل النقابي الحقيقي، هذا الهجوم  الذي لا يهم فقط نقابيي حزب النهج الديمقراطي كما أراد أن يقنعنا الرفيق "عبد الحق المعطي" من خلال ما خلص إليه في مقالته حول هذا الموضوع تحت عنوان "مواجهة البيروقراطية أم انشقاق"،  بل يرمي بالأساس إلى تجفيف ينابيع المقاومة اليسارية النقابية من أجل توفير الشروط الذاتية الضرورية لتركيع الجماهير العمالية والدفع بها إلى أقصى خطوط الدفاع في مواجهة المخططات الرجعية والتصفوية التي تستهدفها في المرحلة الراهنة، وبالتالي فهو هجوم يهم اليسار العمالي برمته بمجموع مكوناته الإصلاحية والوسطية والثورية.
     فمن حقنا أن نتساءل، وبكل ما تقتضيه المسؤولية الرفاقية في إثارة الخلافات ومناقشتها بكل روح ايجابية، هل موقفكم الاستراتيجي حول بناء الوحدة النقابية داخل الاتحاد بدعوى الاستقلالية، هو الذي دفع بكم إلى الحرص على"مواقعكم"النقابية  و"التنظيمية"، وذلك عوض تجسيد موقف التضامن الذي يستدعيه النضال العمالي مع النقابيين الذين طردوا والاتحادات التي تعرضت للحل والمقرات التي أغلقت" والتي كانت ملاذا آمنا لكل الحركات الاحتجاجية باعترافكم" والتي شكلت وهي تحت إشراف"البيروقراطية الصغيرة" حسب ما جادت به قريحتكم النظرية، قاعدة خلفية لانطلاق أكبر المعارك الشعبية والعمالية والنقابية والشبابية التي تشهدها الرباط.
"أفليس النضال ضد أعمال الطرد هو في الواقع نضال من أجل وحدة الحركة النقابية"، مرة أخرى نضع بيننا وبينكم مواقف الماركسية الثورية ومقررات الأممية الثالثة العزيزة على قلوبكم من دون شك لتوضيح مدى تخلفكم وتخاذلكم عن المساهمة في المعركة.
الوحدة النقابية والموقف من سياسة الانشقاق

   ولعل من بين الموضوعات الأساسية أيضا التي أثارها الصراع الجاري حاليا داخل إ.م.ش.بين مختلف الاتجاهات الإيديولوجية والسياسية المنتسبة إلى الخط العمالي ببلادنا، تنتصب موضوعة الوحدة النقابية والموقف من سياسة الانشقاق في صدارة القضايا الخلافية المثارة. وفي هذا الصدد نجد أنفسنا معنيين بتوضيح الموقف الماركسي من هذه المسألة بالغة الأهمية بالنسبة للنضال الطبقي للعمال، قبل تناول المسألة في سياقها العملي الحالي وذلك في ضوء المبادرات العملية والتنظيمية التي يخوضها التوجه الديمقراطي داخل إ.م.ش.
    أولا: تجدر الإشارة إلى أن انضمام الماركسيين إلى النقابات العمالية يهدف بالأساس إلى جعلها أدوات واعية للنضال الطبقي ليس فقط من أجل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعمال بل إلى ربط هذه  النضالات وإدماجها في صيرورة التغيير الثوري، ومن هذا المنطلق يجدر بالماركسيين قبل غيرهم الحرص على تطبيق شعار الأممية الشيوعية "ضد الانشقاق النقابي"بحيوية أكث، على الرغم من المضايقات العنيفة التي يفرضها البيروقراطيين الإنتهازيين عبر أعمال الطرد وحل الاتحادات النقابية، وبالتالي السعي إلى إخراج الماركسيين من النقابات العمالية الجماهيرية وجعلهم يتخلون عبر انشقاقهم حول إستراتيجية كسب النقابات من الداخل.
     ثانيا: لابد من التأكيد بأن مصالح البورجوازية وأهدافها الإستراتيجية المرتبطة بتأبيد سيطرتها الطبقية على المجتمع تفرض شق الحركة النقابية وبالتالي إضعاف الطبقة العاملة إلى أقصى حد، هذا فضلا على أن انشقاق الحركة النقابية يجد أساسه السياسي في واقع الهيمنة السياسية للبرجوازية على الحركة العمالية.
    ثالثا: ينبغي أن يتخذ نضال الماركسيين من أجل تجسيد الوحدة النقابية في ظل واقع الانشقاق والانقسام الذي تعيشه الحركة النقابية المغربية، كمهمة مرحلية، نضالا مستميتا من أجل وحدة النضالات الاقتصادية للعمال من خلال تشجيع التعاون والتضامن بين مختلف الشرائح والفئات العمالية المنضوية تحت لواء النقابة الواحدة أو تحت لواء نقابات متعددة، ومن تم فإن"كل انسحاب طوعي من الحركة النقابية، وكل محاولة لإنشاء مصطنع لنقابات يدفع باتجاه القيام بها الإفراط في التعسف من جانب البيروقراطية النقابية أو سياستها الأرستقراطية الضيقة التي تحول دون دخول الجماهير الواسعة من الشغيلة قليلي المهارة إلى الهيئات النقابية، يشكل خطرا كبيرا على الحركة الشيوعية، فهو يبعد العمال عن الجمهور الأكثر تقدما ووعيا ويدفعهم نحو القادة الانتهازيين الذين يعملون من أجل مصالح البورجوازية".المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية.
    رابعا: إن بناء الوحدة النقابية لا يمكن تجسيده إلا عبر تبني مبادرات وخطط نضالية ملموسة في اتجاه تحقيق الوحدة النضالية لكفاح الشغيلة، وليس عن طريق نزع المناضلين الماركسيين العماليين من النقابات وإدماجهم في نقابة واحدة، وفي هذا الصدد سجل المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية بأنه "لا ينبغي أن تبقى أي نقابة إصلاحية محرومة من خميرة شيوعية، وإن عملا نشطا للشيوعيين في النقابات هو شرط لإعادة بناء الوحدة المهدمة، والتي لا يمكن لها أن تتحقق شانها شأن حماية الوحدة النقابية إذا  لم يضع الشيوعيين في الصدارة برنامجا عمليا يتم على أرضيته تجميع العناصر المشتتة للحركة العمالية وخلق الشروط الخاصة لضمان وحدتها العضوية في حالة الانشقاق النقابي...والحال أنه لا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا بعمل تنظيمي وسياسي نشط داخل الجماهير العمالية".
   وبالعودة إلى السياق العملي الحالي الذي تجري فيه معركة التوجه الديمقراطي ضد مخطط إفراغ العمل النقابي من محتواه الطبقي الكفاحي والديمقراطي وإدماجه في إستراتيجية دعم المصالح البورجوازية، ترى هل كان انسحابنا من المقر الجهوي للاتحاد بالرباط طوعيا؟ وهل استمرار تشبثنا بالاتحاد المغربي للشغل يشكل انشقاقا؟ وهل امتناع مناضلي التوجه الديمقراطي الممثلين في الأمانة الوطنية للاتحاد عن مسايرة التوجه الرجعي داخلها في تأييد دستوريوليوز2011 يعد عملا بيروقراطيا أم موقفا تقدميا حافظ على ماء وجه منظمتنا العتيدة؟
ومن جانب آخر، هل دفاع الشغيلة عن حقها في العمل النقابي سواء في الجامعة الوطنية للتعليم، أو الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية، أوالإتحاد النقابي للموظفين، أوتصديها للعمل التخريبي والتقسيمي الذي يستهدف الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي يعد انشقاقا وتقسيما" للوحدة النقابية"، أم أنه دفاع مستميت ومبدئي عن هذه الأخيرة  وتجسيد لها في الممارسة العملية، من خلال العديد من المحطات من ضمنها:
ü   مشاركتنا بل وقتالنا من أجل المشاركة في تظاهرات فاتح مايو كاتحاد جهوي للاتحاد المغربي للشغل بالرباط؛
ü   مشاركتنا في المسيرة الوطنية التي دعت لها نقابتنا ك.د.ش.وف.د.ش. في 27 مايو؛
ü   تعبئتنا المستمرة من أجل إدماج النضالات العمالية في نضالات حركة 20فبراير من أجل رسم الطريق السياسي الصحيح لتحقيق المطالب العمالية؛
ü   حرصنا الشديد على مراكمة كل الشروط النضالية والتنظيمية الكفيلة بالمساهمة في تفجير الإضراب الوطني العام؛
ü   تعبئتنا المستمرة من أجل فتح المقر الجهوي للاتحاد بالرباط، وخوضنا لعدة معارك من أجل هذا الغرض إحداها توجت بدخولنا للمقر رغم تعنت البيروقراطية وبطشها، والذي لم نغادره إلا بعد تدخل البوليس وتواطئه المكشوف مع معسكر الفساد والبيروقراطية ؟
      هل كل هذا لا يعني في نظركم، أيها الرفاق، سوى الانشقاق وترك الاتحاد؟؟ أم أن الأمر محكوم بخلفية قلب الحقائق وخلط الأوراق من أجل تمويه القواعد النقابية والمؤيدين من الرفاق على حد سواء، ومحاولة إبراز إحدى أشرس معارك البيروقراطية وأخطرها ضد مناضلي اليسار المشتغلين في الاتحاد باعتبارها معركة تهم النهج بمفرده؟ وأين منظوركم الجبهوي لدعم" الجبهة الشعبية" ضد العدو في هذه الحالة؟ أم أن النهج قد صار وفق منطلقاتكم في جبهة البيروقراطية والنظام والقوى الرجعية وبالتالي لا يستحق في معاركه سوى التشفي والمساهمة في مجابهته ومحاربته على طول الخط؟؟ أم أن الأمر ينطوي، في نهاية المطاف، على افتقاد رفاقنا لرؤية سياسية سديدة وواضحة، من شأنها تأهيلهم لنهج تحالفات مبدئية  مبنية على تحليل بنية التناقضات التي تخترق الحركة النقابية والمجتمع المغربي ككل، وبالتالي نهج الصراعات والتحالفات على قاعدة التمييز بين  التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي، هذا التمييز الذي يفرض في حالتنا النقابية الحالية العمل من أجل بناء جبهة يسارية كشرط أساسي لمواجهة الهجمة الرأسمالية، هذه الجبهة التي نعتقد بأن نقابيي النهج الديمقراطي سيمثلون أحد أطرافها الأساسيين، أفلم يدعو ماركس إلى الوحدة في الدفاع عن مصالح الحركة العمالية وهو يحث الشيوعيين قائلا "اعقدوا ما شئتم من تحالفات يقتضيها نمو الحركة العمالية، لكن إياكم والتنازل النظري إياكم والمساومة بالمبادئ" أين أنتم من هذا التوجيه؟ رجاء كفى من العبث؟.       
      فيما يخصنا، وكما هو الشأن بالنسبة لأي ماركسي جدي، فإن نقد الرفاق في النهج الديمقراطي سواء في قضايا نظرية أو برنامجية أو فيما يخص خطهم النقابي(وقد خضنا معهم حول هذه المسألة نقاشات علنية عديدة جدا)، لا يعني التضحية بهم وبمصالح العمل النقابي الكفاحي على مذبح البيروقراطية نظرا لإيماننا العميق بأهمية مساهمتهم، كتيار عمالي، بل وبضرورتها في المعركة ضد النظام القائم وضد البيروقراطية على حد سواء.
   سياسة الطرد والنضال ضدها...

   أمام حملة الطرد الممنهجة التي شنتها بيروقراطية الاتحاد ضد العديد من النقابيين المسؤولين، وبدلا من خيار القبول بالهزيمة فقد قررنا بملء إرادتنا خوض المعركة في ظروف دقيقة وجد صعبةّ، ونحن واعون تمام الوعي بحجم العوائق المتنوعة التي تقف في وجهنا، وما على باقي الأطراف اليسارية الأخرى سوى إبداء مواقفها وتحمل مسؤوليتها بشكل واضح عوض تبني موقع المتفرج وموقف الانتظارية، خاصة فيما يتعلق بدعم المطرودين وحل الاتحادات النقابية الجهوية والمحلية والتي لا تستهدف هذا الطرف السياسي أو ذاك بقدر ما تستهدف قاعدة عريضة من المنتمين لنقابة الاتحاد المغربي للشغل.
    ومن وجهة نظر ماركسية، "لا ينبغي أن يبقى المطرودون مشتتين، وتقوم المهمة الأكثر أهمية للأحزاب الشيوعية (في حالتنا للمجموعات الثورية)على عدم السماح للعناصر المطرودة بالتشتت، ينبغي أن تنظم في نقابات للمطرودين عبر وضع برنامج ملموس في صلب عملها، وفرض إعادتها من جديد(وليلاحظ القارئ لفرض إعادتها من جديد، فما قول الرفاق الذين يرون في نضالنا من أجل الضغط على البيروقراطية والدفع بها إلى التراجع والتنازل عن إجراءاتها التعسفية جريمة ومساومة خيانية؟(،إن النضال ضد أعمال الطرد هو في الواقع نضال من أجل وحدة الحركة وهنا كل الإجراءات جيدة، كل الإجراءات التي تؤدي إلى إعادة بناء الوحدة المهدمة.لا ينبغي أن يبقى المطرودون معزولين ومقطوعين عن كل المعارضة طالما أن هناك منظمات ثورية مستقلة في البلد المعني، بغية التنظيم المشترك للنضال ضد أعمال الطرد ولتنسيق العمل في النضال ضد رأس المال".
    وفي نفس الاتجاه، يرى رفاق لينين في إطار مؤتمرهم الثاني للأممية الشيوعية، بأنه"ليس هناك وسائل وأساليب شاملة  ونهائية في النضال ضد الطرد، من هذه الناحية يمكن للشيوعيين ان يناضلوا بالوسائل التي يرون أنها الأفضل من أجل الوصول إلى هذا الهدف:كسب النقابات وإعادة بناء الوحدة النقابية المهدمة...،وينبغي أن يخاض هذا النضال بأكمله تحت راية قبول كل النقابات دون تمييز بين الميول، ودون تمييز بين الاتجاهات السياسية".
    وإذا كان الأمميون الشيوعيون واعين، بالنظر إلى خلفيتهم الجدلية، وإيمانهم العميق بعدم جدوى الترسيمات والخطاطات والوصفات الجاهزة في مواجهة سياسة الطرد، وبالتالي دعوا إلى اتخاذ كل الوسائل والأساليب الملائمة  لفرض إعادة المطرودين إذ ليس ثمة خطط مرسومة سلفا ، فإن مجموعة من المناضلين ومن ضمنهم الرفيق " محمد حجوجي" لازال يرى في ما أسماه "مخطط فك الارتباط انشقاقا عن الاتحاد المغربي للشغل، وتشتيتا لجهود الطبقة العاملة وإضعافا لنضالاتها"،  متجاهلا بأن النضال ضد البيروقراطية (التي يطرحها كأولوية مرحلية) لا يمكن أن يتم خارج تدابير تنظيمية  تتيح إنتاج المبادرات النضالية الكفيلة بتصعيد النضال ضد الأجهزة البيروقراطية من أجل فرض التراجع عن القرارات البيروقراطية المتعسفة التي طالت النقابيين المطرودين، والاتحادات الجهوية والمحلية التي تعرضت للحل ومن أجل فتح المقر الجهوي بالرباط  في وجه كل المنتمون إلى نقابة الاتحاد وكل الحركات الاحتجاجية التقدمية والديمقراطية.
مواجهة البيروقراطية: نعم، لكن كيف؟

    أمام هذا الوضع، وفي مثل هذه الحالة غير المسبوقة التي يعيشها اليسار النقابي داخل "إ.م.ش." ترى كيف يجدر بكل من يدعي الانتماء إلى القضية العمالية أن يتصرف إزاء البيروقراطية وإزاء المناهضين لها؟
     ففي حالة الصراع بين الاتجاه البيروقراطي وبين الاتجاه الديمقراطي داخل النقابات العمالية "فإن الشيوعيين ملزمون، بالطبع، بدعم الاتجاهات الديمقراطية، بكل إمكاناتهم، دون أن يعني ذلك خروجهم من النقابات الانتهازية"، ترى هل التزم بعض الرفاق الشيوعيين بهذا التوجيه الأممي؟ أم أن عصبويتهم الإيديولوجية وضعفهم السياسي مع الاعتقاد باحتكار "الخط الصحيح "، هو الذي  جعلهم يتمادون في زرع التشويش ناعتين الجميع بالخيانة والجبن والذيلية...؟
    إن هذه الاعتبارات وغيرها هي التي جعلت لبعض رفاقنا في الدرب عاجزين عن رؤية المشكلة من مختلف جوانبها وتفحص أسبابها الحقيقية، مختزلين بذلك المعركة بين نقابيي النهج (مناضلي النهج الديمقراطي) وبين البيروقراطية الكبيرة، مما ضيع عليهم  فهم حقيقة هذه الحرب التي تخوضها عصابة مخاريق ومن معه،  بما هي حرب ضد النقابة والنقابيين أينما وجدوا، حرب ضد اليسار والنقابيين اليساريين، حرب ضد المناهضين لسياسة تحييد الحركة النقابية من الصراع السياسي، حرب تأتي في سياق النتائج السياسية التي ترتبت عن الشطر الأول من معركة حركة20فبراير ضد الاستبداد.
      وبهذا العجز عن فهم طبيعة هذه الحرب وجد أصحابنا أنفسهم حريصين جدا على"مواجهة البيروقراطية" من خلال الامتناع عن التضامن والدعم والمشاركة العملية النشيطة في محاربتها وفضح أساليبها التخريبية والتقسيمية والتصفوية وبالتالي أدى بهم منطقهم النقابوي المأزوم (حصرا لمعركة في بعدها النقابي المحض)العاجز عن إدراك الطابع السياسي المكشوف لهذه الهجمة البيروقراطية الشرسة والتي أذنت لها، مما لاشك فيه، الدوائر العليا للاستبداد ولحماية مصالح الرأسمال في هذا البلد، إلى دعم البيروقراطية في مخططها التخريبي الذي يستهدف تركيع العمال المغاربة بالدرجة الأولى من حيث هم يعتقدون مواجهتها؟.
     إن الإتجاه الرئيسي لنضالنا الحالي ضد البيروقراطية النقابية ينبغي أن يرمي إلى إحداث مقاومة منظمة وحاسمة، فضلا على ضرورة الاستمرار في تعميق النقاش الرفاقي البناء والمنتج حول هذه المسألة، ولعل صمود النقابيين الديمقراطيين واستماتتهم ضد الغارات البيروقراطية الغادرة في عدة جبهات (خريبكة، تازة، وجدة...) لا يعكس الحاجة الموضوعية الملحة لتنظيم تدخلنا وصمودنا من خلال إبداع تكتيكات ومبادرات موحدة من شأنها الضغط على البيروقراطية وعزلها، كما من شأنها تحقيق الوحدة في النشاط العملي الذي يستهدف تأهيل الجماهير العمالية من خلال عمل تثقيفي وتنظيمي وتكويني منهجي، وحفزها على خوض نضالات وحدوية ضد مخططات البورجوازية، والدفع بها كذلك، ومن خلال مختلف الوسائل الممكنة، إلى إدراك طبيعة العمل التخريبي والتصفوي والتقسيمي الذي تخوضه البيروقراطية وأذيالها على كافة المستويات الجهوية والمحلية والقطاعية خدمة لمصالح النظام ولمصالحها الانتهازية الخاصة.
أي أفق لمعركة التوجه الديمقراطي؟

      في هذا الصدد، نعتقد بأن الشرط الأولي لضمان فعالية المبادرات النضالية ووحدتها، وحتى لاتؤدي الخلافات السياسية بين مختلف التيارات المنتسبة للخط العمالي إلى إضعاف القدرات الدفاعية لدى الجماهير العمالية، هو ألا يتحول تنوع هذه المبادرات المحكومة بخلفيات سياسية متعددة، دون وحدة عمل كافة الديمقراطيين المكافحين على أرضية نقابية طبقية تمزج بين النضال ضد تعديات البورجوازية على الحقوق المادية والديمقراطية للشغيلة المغربية، وبين العمل على إضعاف البيروقراطية النقابية والحد من ممارساتها التخريبية في أفق عزلها، وهو الأمر الذي يستدعي في نظري ترجمة عملية حقيقية لموقفنا المبدئي من البيروقراطية في شعارات ومهمات عملية ملموسة ومبادرات تنظيمية حيث بمثل هذا الأسلوب فقط، يمكن تحويل الموقف الإيديولوجي والسياسي من البيروقراطية من مستواه المجرد إلى قوة فاعلة في قلب الدينامية النضالية للحركة النقابية العمالية، وعليه فإن أي تردد في صفوف اليسار النقابي على خوض هذه المعركة حتى النهاية، سيحول خطابه حول دمقرطة النقابات العمالية إلى مجرد خطاطة دغمائية.
    والحال أنه بات ملحا أكثر من أي وقت مضى أن نبرهن بالممارسة على فعالية العمل النقابي الكفاحي والديمقراطي وعن تفوقه على التوافق والتعاون الطبقيين، لكن لا يجب أن يعني هذا طبعا رفض الحركة النقابية العمالية لكل مساومة: فطالما لم تجر الإطاحة بالرأسمالية نفسها، سيضطر العمال ومنظماتهم للتفاوض، وهذا يختلف مع سياسة التعاون الطبقي التي تعني التفاوض الممنهج على أمل تسوية المسائل بطريقة ودية حول مائدة مستديرة.
   وأمام حالة الضعف السياسي التي توحد مختلف فصائل اليسار العمالي، وبعد اتضاح خيانة قيادة "تحالف اليسار الديمقراطي"لهذه المعركة الحاسمة عبر تنكره لأبسط تقاليد اليسار التي تستدعي التضامن والدعم في مثل هذه المحطات، بل وسعيه إلى تحسين مواقعه داخل الاتحاد على حساب المجازر التي تقترف في حق العمل النقابي الكفاحي، فإن المطلوب حاليا، في ظل هذه المرحلة التي تطرح مهاما صعبة ومعقدة، هو توحيد الجهود وتنسيقها على أرضية مبادرات فعالة ومنتجة تعتمد على النضالات العمالية وعلى وعيها وعلى قدرتها في التغيير.
     هذه الوحدة النضالية التي لا نتصورها إلا في"في إطار الضرب معا والسير على حدة" مع الإيمان بإمكانية وضرورة تنوع هذه المبادرات نظرا للتنوع السياسي الطبيعي الذي يحكم التوجه الديمقراطي في حد ذاته، مع التحلي بالمسؤولية السياسية والنضج ونبذ الملاسنات الفارغة المحكومة بنزعة العداءات المجانية والعجز السياسي والميداني.
    نود كذلك، أن نشير إلى أن الصراع الحالي يشكل منعطفا حاسما بالنسبة لليسار النقابي يفرض عليه التقاط الإشارات الدالة لتنظيم الصفوف والحرص على تركيز الضربات ضد العدو الرئيسي بالأساس(النظام وعملائه البيروقراطيين داخل الحركة النقابية) ، وذلك من أجل مراكمة الشروط التنظيمية والنضالية الكفيلة بتحسين موازين القوى لصالح التوجه الديمقراطي الكفاحي أي لصالح اليسار العمالي ولصالح المشروع العمالي التحرري في نهاية المطاف.
   والآن وقد مرت أكثر من سبعة أشهر على اندلاع هذا الفصل الجديد والنوعي من الهجوم البيروقراطي على منظمتنا النقابية وعلى مناضليها الديمقراطيين بالتحديد، فإن مجمل المبادرات النضالية والتنظيمية التي تم اتخاذها لحدود الآن قد ساهمت في تنظيم معركة الصمود في ظل الظروف التي تجري فيها هذه المعركة، والتي تعبر عن موازين قوى بين أطراف متعددة، وذلك سواء من خلال التشبت بعقد مؤتمرات الجامعة الوطنية للتعليم، والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية والاتحاد النقابي للموظفين والموظفات، والمؤتمر الجهوي التأسيسي للاتحاد الجهوي لنقابات الرباط ـسلاـ زمور-زعير في 23 شتنبر 2012، وذلك في إطار فك الارتباط على مستوى القانون الأساسي للاتحاد المغربي للشغل كتجاوز واع ومنظم للمؤامرة التي تخوضها القيادة البيروقراطية للاتحاد ضد عدد من التجارب النقابية الكفاحية المتميزة. أو من خلال الاستمرار في النضال والتعبئة من أجل فتح المقرات المغلقة، هذا فضلا على صمود مناضلات ومناضلي الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في وجه التقسيم الرجعي الذي يستهدفها وتشبثهم بوحدة العمل النقابي الفلاحي داخل الجامعة في إطار الاتحاد المغربي للشغل.
     وفي خضم التطورات الحالية التي تشهدها الساحة النقابية وما واكبها من نقاشات متعددة، يجدر بنا التأكيد، من جديد، على أن الجوهري في نهاية المطاف ليس هو إطار العمل النقابي، فهذا واجب أينما وجد العمال، بل المضمون السياسي لهذا العمل، أي مدى التقدم في رفع وعي العمال السياسي وبأية سياسة نقابية يمكن الحد من تأثير البيروقراطية لبلوغ هذا الهدف، مما يستوجب طرح سؤال الآفاق الممكنة في ضوء تطور التكتيكات الاضطرارية التي دفعتنا إليها البيروقراطية والتي أسفرت عن تأسيس تجارب نقابية في قطاعات الوظيفة العمومية والتعليم والجماعات المحلية منفلتة من تحكم الأجهزة البيروقراطية للاتحاد.
    ولعل السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بقوة على اليسار المنخرط في تكتيك "فك الارتباط مع إ.م.ش على مستوى القانون الأساسي" هو: إلى أين تسير هذه النقابات ؟
 هل نراهن على أن نتمكن من فرض عودتنا إلى الاتحاد المغربي للشغل؟ ونحن نؤكد أن طردنا له دواع سياسية بالدرجة الأولى ؟
هل نسير نحو جمع النقابات " الفاكة للارتباط" في اتحاد نقابي جديد؟
أليس مواتيا أن نعمل من أجل الاندماج في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟ وحتى لو رفضت بيروقراطية هذه النقابة دمجنا فسنكون خضنا معركة ضد أكاذيبها حول سعيها إلى الوحدة النقابية.   
وفي ظل استحضار كل هذه الاعتبارات، نرى بأن أي تقييم موضوعي لمختلف المبادرات التنظيمية والنضالية التي اتخذها التوجه الديمقراطي، لحدود الآن، ينبغي أن يراعي بأن الأمر يتعلق، في نهاية المطاف،  بمواجهة واعية ومنظمة ضد سياسة الطرد وإفراغ النقابة من العناصر الديمقراطية بحيث يجب أن يكون واضحا أن  النقابيين الديمقراطيين الكفاحيين من ضحايا العسف البيروقراطي ليسوا بصدد تأسيس بديل عن الاتحاد المغربي للشغل، وأنهم "فكوا الارتباط" اضطرارا وليس اختيارا، وسيواصلون النضال مع القاعدة العمالية بالاتحاد المغربي للشغل أينما وجدت تلك الإمكانية، مثال ذلك أنه في عز الهجوم على نقابة التعليم والفلاحة وغيرهما من مواقع اليسار، خاض عمال الطرق السيارة نضالا ضاريا تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، دون أن يعني ذلك، طبعا ،التردد أو الامتناع  في طرح كل الآفاق العملية الممكنة التي سبقت الإشارة إليها، وتصور كل السيناريوهات الكفيلة بتحصين هذه التجارب الصامدة وتطويرها.
     في ضوء ما سبق، نرى بأن الصمود الواعي والمنظم الذي شكلته مختلف هذه المبادرات قد أنجز مهمته الأولية، لا باعتبارها حلا نهائيا وسحريا للأزمة التنظيمية التي جرت إليها القيادة البيروقراطية منظمتنا العمالية، ولكن باعتبارها مجالا فتح أمام اليسار النقابي داخل الاتحاد المغربي للشغل إمكانية موضوعية للاستمرار في خوض المعارك النقابية الكفيلة بتمتين هذه التنظيمات وتوسيعها وتجذيرها، وإعطائها مضمونا ديمقراطيا مكافحا يمكنها من فرض ذاتها على العدو الطبقي.
      كما أن تطوير هذا المسار رهين بحرصنا جميعا على تطوير الديمقراطية الداخلية بنبذ بعض الأساليب اللاديمقراطية الموروثة عن حقبة التوافق مع البيروقراطية من موقع الأقلية من قبيل لجنة الترشيحات، والحرص على أن تكون هذه التجارب النقابية المنفلتة من تحكم البيروقراطية، مجالا لمواجهة حرة ورفاقية بين مختلف التيارات السياسية بناء على انضباط وديمقراطية داخلية في التسيير والتوجيه والتقرير، والمقصود طبعا بالانضباط هو ذاك الذي يتيح لجميع الفاعلين حرية النقاش والنقد وتكوين الاتجاهات، ويتيح دفاع  الأقلية  المعارضة لخط الأغلبية  عن رأيها داخل النقابة دون أن تتعرض للتعسف.
المعركة النقابية: نعم، لكن ماذا بعد؟

    فنحن لسنا واهمين بشأن النقابة رغم اقتناعنا بدورها الأساسي في النضال العمالي، نحن نؤمن بأن التغيير يأتي من الشارع، من النضال الجماهيري المستقل، من الإضراب والاعتصام والعصيان المدني والإضراب الوطني العام المفضي إلى الانتفاضة العمالية، والتغيير الذي نناضل من أجله هو نضال في أفقه الاستراتيجي يهدف بناء ديمقراطية المجالس العمالية والشعبية، لكن مع ذلك لا ينبغي أن نغيب عن أية ساحة معركة تكون الجماهير العمالية أحد أطرافها في مواجهة جبروت رأس مال وخدامه الأوفياء داخل الحركة العمالية من كتل انتهازية وبيروقراطية.
   كما لا يجب أن تلهينا معاركنا سواء ضد البيروقراطية النقابية أو غيرها عن مهمة المرحلة بامتياز مهمة تنظيم الشيوعيين الثوريين في منظمة مركزية، لأن تنسيق أعمالنا وتوحيدها في قلب المعارك الجماهيرية يفرض تنظيما شيوعيا، لأن "عملا معزولا وفرديا للشيوعيين لا يمكن أن ينسق مع كائن من كان، لأنه لا يمثل أية قوة جديدة".(المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية).
وعليه فإن التقدم في مسار بناء شروط الاستقلال السياسي والفكري والتنظيمي للعمال من منظور ماركسي هو الكفيل بتعميق المحتوى الكفاحي الديمقراطي لعملنا النقابي، لأن مواجهة البيروقراطية في نهاية المطاف تستدعي مواجهة طبقية حازمة ومنظمة للخط السياسي البرجوازي الذي تستند إليه.
    مسارنا واضح: بناء يسار نقابي يخترق النقابات العمالية بوجهة نظر عمالية واضحة، والهدف: بناء نقابة عمالية مكافحة مرتبطة باستراتيجية التغيير الثوري وكفيلة بتربية الشغيلة على قواعد ومبادئ وروح التسيير الذاتي.
    لنساهم جميعا في تطوير معركة التوجه الديمقراطي ضد البيروقراطية من أجل توفير الشروط الضرورية لتوحيد اليسار النقابي وتقويته.
    لنساهم جميعا في النضال من أجل تهيئ الشروط الدفاعية للعمال المغاربة ضد الهجوم البورجوازي الكاسح.
    لنناضل جميعا ضد مصادرة النضال الديمقراطي التحرري الذي يجب أن يقوم به العمال ضد أعدائهم الطبقيين.
                                                               
مهدي رفيق
الرباط، في 10 أكتوبر 2012

0 commentaires for " معركة التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل: الأبعاد والدلالات والآفاق الممكنة "